الدكتور شريف عكاشة
المترجم بالأمم المتحدة
فتحي عبد الرءوف .. في مواجهة الشعبوية الترجمية
الشعبوية الترجمية قديمة قدم مكاتب الترجمة المتناثرة في وسط البلد ويقودها ويعمل بها جهلاء أميون لايعرفون شيئا عن الترجمة ولا اللغات إلا بقدر ما أصابوه منها من خلال السفر للخارج أو الدراسة الذاتية غير المتقنة فأصبحت الترجمة على أيديهم مهنة من لا مهنة له.
وثمة نوع آخر من الشعبوية الترجمية واكب ظهوره ظهور وسائل التواصل الاجتماعي بحيث أصبح كل من هب ودب نجما من نجوم التنظير الترجمي يهلل له الجاهلون بعلومها ودروبها كلما كتب منشورا عبيطا لايمت إلى هذه الحرفة الرصينة الخطرة بصلة ولا يعكس فهما لمبادئها المؤسسة. وأصبح المؤثرون الترجميون من أحفاد أبي الحكم بن هشام ظاهرة مستشرية في أثير اليوتيوب يصولون ويجولون في فضائه المستباح ويحصدون النياشين والدولارات في غياب أي معايير علمية لهذا العلم كسائر العلوم وفي غفلة من أساتذة يقومون على رأس مؤسسات جامعية تفتقر إلى سياسات تعليمية ممنهجة لتدريس هذا العلم الجليل.
وأهم مظاهر هذه الشعبوية الترجمية الجديدة مظهران: إما الحديث عن عموميات جوفاء تحولت إلى أكلاشيهات محفوظة، كمن يردد مقولة إن المترجم يجب أن يراعي السياق الثقافي لنص المصدر ووو دون تقسيم هذه العموميات وتشقيقها وتصنيفها تصانيف فرعية مناسبة لاختلاف النصوص والنطاقات اللغوية والسياقات الاجتماعية والمهنية مع التدليل عليها بأمثلة نصية دامغة، أو التحدث عن تفاصيل معجمية ولفظية تمت كما أشرنا في غير موضع إلى فروع المعجميات لا الترجميات لأن الحديث السليم عن الترجمة يؤطر المفاهيم ويدلل عليها بأمثلة ويمكن أن يفعل العكس بأن يبدأ بالمثال ثم ينتهي إلى المفهوم ولكن شعبوي الكتابة والمحاضرة الترجمية لايفعلون هذا ولا ذاك وإنما يأخذون القراء والمريدين في متاهات الدقائق اللغوية دون أدنى درجة من التنظيم المعرفي.
في وسط هذا الظلام الشعبوي الدامس بشقيه القديم والحديث يمتطي صديقنا العزيز العالم والمترجم الفذ الدكتور فتحي عبد الرءوف جواد موهبته الأصيلة وسط معابد الأوثان الترجمية ليحطمها بهدوء ورصانة مترجما استطاع أن يخترق أعتى المنظمات الدولية التي لا تسمح لنصوصها أن تترجم إلا على يد الراسخين في العلم نظرا لما يترتب عليه تخريج هذه النصوص من قرارات مصيرية بحق الأمم والشعوب دون أدنى مبالغة مثل المحكمة الجنائية الدولية التي يعتبر الدكتور فتحي أحد أعمدتها الترجمية، ومعلما للترجمة ابتكر وسائل عملية لتدريس المفاهميم الترجمية للناشئة بأسلوب يجمع بين الإمتاع والإفادة أيما جمع.
وها هو يعاود الكرة بأن يثير غبار المعركة مع الجهل الترجمي بكتابه القنبلة عن الترجمة القانونية الذي لايستقي مادته من إعادة تدوير الكتابات السابقة كما يفعل الأكاديميون ولا من خبرات وهمية في مؤسسات ترجمية تقع "في بئر السلم" ولاتستند إلى أية معايير مهنية وعلمية واضحة، وإنما من خبرات مهنية نادرة قلما تجتمع لمترجم واحد إلا أن يكون من أولي العزم وما أقلهم في عالم الترجمة مهما كثر المدعون وتكاثروا.
وقد شرفني المؤلف بحديث عن الكتاب امتد لساعتين أشنف فيهما أذني بتناوله الرصين للأبعاد اللغوية والمهنية والفنية والأخلاقية للترجمة القانونية وإذا بي أمام كتاب لايستند إلى خبرات ترجمية رفيعة ونادرة فحسب، بل صيغ وكتب بدرجة عالية جدا من التأطير المعرفي والتصنيف العلمي الدقيق. وما إنتاج المعرفة الأصيلة إلا تصنيف للواقع بحيث يخرج القارئ بمفاهيم تبني لبنات عقله في هذا الحقل الصعب من حقول الترجمة لا شظايا معرفية كلما تبوأ منها القارئ ظلا للمقيل اضمحلت.
هذه فقط نبذة تعريفية بسيطة بالمؤلف وكتابه سأتبعها إن شاء الله بعرض نقدي مسهب لهذا السفر النادر والعمل الموسوعي القيم.