مقدمة

القانون مثله مثل أي مجال آخر، تُستخدم فيه كلماتٌ وتعبيرات ذات مدلولات خاصة. وقد تكون هذه الكلمات معروفةً في مجالات أخرى بمعانٍ مغايرة، وقد تكون قاصرة على مجال القانون فحسب. ومن أمثلة الحالة الأولى كلمة assignment الإنكليزية التي تعني «تكليفًا» أو ما شابه ذلك، أما في المجال التعليمي فتعني «واجبًا». وأما في مجال القانون فتعني «تنازلًا» أي: تنازلًا للغير. وفي اللغة العربية القانونية ثَمّة كلمات كثيرة من هذا القبيل، ومنها مصطلح «أجنبي»، الذي له مدلول في الشريعة الإسلامية، ولا سيما في مسائل الأحوال الشخصية، يختلف عن مدلوله في مجال القانون.

نوعان للمصطلحات القانونية

للمصطلحات القانونية نوعان: نوع يعرفه كل الناس تقريبًا، مثل «إيجار» و«مالك» و«مستأجر» و«محكمة». ونوع يصعُب على غير رجال القانون فَهْم دلالته، مثل «عارية الاستعمال» و«التمسُّك» و«التصدِّي». ومن ثَم، لا يجري على ألسنتهم ولا يستخدمونه في كتاباتهم. ولسنا هنا بصدد تفسير تلك المصطلحات وبيان مدلولاتها، بل يهمنا فقط تقسيمها على هذا النحو تحقيقًا للغرض الموضَّح في هذا المقال.

تفسير المصطلحات القانونية

من نافلة القول أن لكل مصطلح تقريبًا معنًى لغويًّا lexical meaning وآخر اصطلاحيًّا technical meaning. ويشيع في الكتابات الأكاديمية التفرقة بين المعنيينِ قبل البدء في تناول موضوع ما من الناحية الفنية، كالدراسات الفقهية التي تبدأ بالتفرقة بينهما؛ توطئةً لبيان أحكام فقهية معينة تندرج تحت المعنى الاصطلاحي.

إشكالية استخدام المصطلحات القانونية بين القانونيين وغيرهم

كثيرًا ما يستخدم القانونيون الكلمات بمعانيها الاصطلاحية المحددة في التعاريف القانونية الواردة في المراجع القانونية، في حين يستخدم غير القانونيين تلك المصطلحات -إن احتاجوا إلى ذلك- وفقًا لما شاع بينهم من معانٍ. وفي ذلك ذهب الحُكم القضائي الصادر عن محكمة بريطانية في قضية هُوْلتْ ضد كُوليّر في عام 1881، إلى أنه متى استُخدِمت لفظةٌ لها مدلول قانوني في وثيقة قانونية، فيجب أن تُفسَّر ابتداءً على هذا النحو، أي دون الالتفات إلى معناها اللغوي. غير أن ذلك لا يكون إلا إذا كان صائغ الوثيقة القانونية متخصِّصًا في القانون. أما إذا كان من غير أهل القانون، فلربما يكون للمحكمة تفسير آخر.

فعندما يستخدم شخص غير قانوني كلمة «عقار» في العربية، فغالب الظن أنه يقصد «مبنى». ولو وردت هذه الكلمة في عبارة ضمن وصية من قبيل «أُوصِي للسيد فلان بالعقارات التي أملكها في مدينة الإسكندرية» وتبيَّن بعد وفاته أنه يملك عقارات في الإسكندرية يتألَّف بعضها من مبانٍ مقامة على أراضٍ بطبيعة الحال، ويتألَّف بعضها الآخر من أراضٍ فقط، وثار نزاع بشأن تلك الوصية، فقد ينتهي تفسير المحكمة إلى استحقاق المُوصَى إليه المبانيَ فقط دون الأراضي متى تبيَّن لها أن صائغ الوثيقة شخص عادي لا يقصد المعنى القانوني المحدد لكلمة العقارات. وفي هذا، نَصَّ القانون المدني المصري على ضرورة تفسير العَقْد «بالبحث عن النية المشتركة للمتعاقدِينَ دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ، ووفقًا للعُرف الجاري في المعاملات»، وهو المبدأ الذي أرساه القانون المدني الفرنسي من قبلُ.

ومن أمثلة ذلك ما حكمت به محكمة بريطانية في قضية بيرين ضد مورغان؛ من أن كلمة moneys في عبارة:

All moneys I be possessed of shall be shared by my nephews and niece now living.

إنما تشير إلى جميع أموال الموصية. أي فسرتها بأنها تعني property، دون الالتفات إلى عدم استخدام تلك الكلمة الفنية الأخيرة؛ إذ استخدمت الموصية كلمة moneys بالمعنى الدارج، لا بمعنى الأموال السائلة، كما هو الحال في الاستخدام القانوني. ومن الواضح أن المحكمة قد تبيَّن لها أن صائغ الوصية لم يكن محامي الموصية، أي كانت هي نفسها صائغة وصيتها. وبعد ذلك بعدة أعوام، أصدرت محكمة إنكليزية حُكمًا ذهبت فيه إلى أن عبارة personal estate الواردة في الوصية محل النزاع لا تشمل منزل الموصية، باعتبار أن صائغ الوثيقة -المتخصص في القانون- قد حاد عن استخدام real estate التي تعني «أموالًا عقارية»، إلى personal estate التي تعني حرفيًّا «أموالًا شخصية» دون سبب واضح، مبينةً أن ذلك المصطلح الأخير إنما يحتاج إلى سياق «قوي للغاية» كي يمكن تفسيره بمعنى «أموال عقارية».

ترجمة المصطلح القانوني استنادًا إلى اختصاص صائغ النص من عدمه

القاعدة العامة في الترجمة القانونية هي ترجمة المصطلحات القانونية حسبما وردت في النص المترجَم منه، دون تدخُّل فيما يراه المترجِم دالًّا على سوء اختيار الألفاظ، ما لم يكن ذلك السوء من قبيل الأخطاء اللغوية الشائعة التي لا ضيرَ في تصحيحها. وهناك حالات أخرى لا يتسع المقال لذكرها. ففي المثال الأخير، إنْ عَلِم المترجمُ أن صائغ الوثيقة القانونية شخص غير متخصِّص، يستحسن أن يُترجَم personal estate إلى: «أموال شخصية»، لا: «أموال منقولة». وإن كانت القواميس القانونية تصفها بأنها مجرد مرادف لمصطلح movable estate التي تعني صراحةً «أموالًا منقولةً». أمَّا إنْ علم المترجم أن صائغ النص رجلُ قانونٍ متخصص، فليكن مرجعُه في ذلك القواميسَ المتخصصة، كقاموس Black’s Law، الذي يُعرِّف ذلك المصطلح بتعريف يجعله مقابلًا لـ «أموال منقولة». وأمَّا إن لم يعلم فعليه أن يبحث وأن يتحرَّى. فإن عاد من بحثه وتحرِّيه بخُفَّيْ حُنين، أي لم ينتهِ إلى شيء، فليترجمها كما جاءت في القواميس المتخصصة؛ ففي ذلك حُجة كافية تعضِّد ترجمته، وتجعله بمنأى عن المساءلة القانونية أو المهنية أو الأدبية. على أن يكون افتراض المترجم دائمًا هو أن صائغ النص شخص متخصِّص ما لم يثبت خلاف ذلك.


اقرأ أيضًا