بدأت القصة في عام 1974، عندما عرضت شركتان أجنبيتان على الحكومة المصرية إقامة منطقتين سياحيتين، إحداهما في هضبة الأهرام بالجيزة، والأخرى بالساحل الشمالي. كان الجو العام في مصر قد بدأ لتوِّه في الانفتاح على الاستثمارات الدولية، ومن ثَمّ، وافقت الحكومة على المشروعين فورًا، وأصدر الرئيس الراحل السادات قرارًا جمهوريًّا بذلك في ظرف ست ساعات من اقتراح المشروعين، وفقًا لما أفاد به المحكَّم الدولي المستشار أسامة أبو المجد.

وما إن تسرَّبت أخبار المشروعين، لا سيما مشروع هضبة الأهرام، حتى ثارت ثائرة الرأي العام حفاظًا على المنطقة الأثرية، التي قيل إنها ستتضرر أيَّما تضرُّر بسبب المشروع. وهو ما جعل الرئيس الراحل السادات يصدر قرارًا فوريًّا آخر بإلغاء قراره الأول استجابةً لرفض الرأي العام. فما كان من الشركتين إلا أن لجأتا إلى التحكيم الدولي بموجب شروط العقد -الذي من الواضح أن الطرف المصري لم يقرأه، أو قرأه ولم يفهم لغته القانونية المعقدة بطبيعتها- فصدر حكم عن محكمة التحكيم بغرفة التجارة الدولية بباريس بإلزام الحكومة المصرية بتعويضات باهظة بلغت 12.5 مليون دولار أمريكي، إضافة إلى الفوائد والمصروفات القضائية.

غير أن محكمة النقض الفرنسية ألغت الحكم بناءً على طلب من الجانب المصري، فلجأت الشركتان إلى المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار في واشنطن (الإكسيد)، استنادًا إلى اتفاقية إنشاء المركز، وأيضًا القانون رقم 43 لسنة 1974 المعروف بقانون الاستثمار، أو بالأحرى قانون الانفتاح. وهنا يبدأ المشهد الأسوأ في القصة، ودون الدخول في دقائق قانونية سردها الحكم الصادر عن محكمة المركز ضد مصر، كان أهم الدفوع الجوهرية التي دفع بها الجانب المصري أن المحكمة غير مختصة بالنظر في النزاع، مسبِّبًا ذلك بأن القانون السالف الذكر إنما يُنِيط بالمركز تسوية المنازعات "وفقًا لاتفاقية تسوية منازعات الاستثمار التي انضمت إليها مصر بموجب القانون رقم 90 لسنة 1971 في الأحوال التي تسري فيها." أي تسري فيها الاتفاقية كما يتضح من الصيغة، وقدَّم دفاع مصر سندًا لدفعه ترجمةً -من الواضح أنها كانت الترجمة الرسمية- لتلك الفقرة، فيما يلي نصُّها:

“Investment disputes […] shall be settled in the manner to be agreed upon with the investor […] or within the framework of the Convention for the Settlement of Investment Disputes between the State and with the nationals of the other countries to which Egypt has adhered by virtue of Law No. 90 of 1971, where such Law applies.”

ويتضح من الترجمة المقدَّمة أن ثمة خطأً فادحًا في العبارة الأخيرة؛ إذ مفاد الترجمة أن تسوية المنازعات بموجب اتفاقية المركز لا تنطبق إلا حالما انطبق عليها هذا القانون، حيث أوضحت هيئة الدفاع أن عبارة such Law إنما تشير إلى القانون الوارد فيه النص -وهو قانون الاستثمار- لا القانون رقم 90 لسنة 1971 المذكور قبل تلك العبارة مباشرة، وهو أمر محل شك بطبيعة الحال؛ حيث إن العبارة تشير، وفقًا لقواعد الصياغة القانونية، إلى القانون المذكور توًّا، وهو القانون رقم 90 لسنة 1971؛ مضيفةً إلى ذلك دفعًا بأن هذا القانون -أي قانون الاستثمار- لا يسري على هذين المشروعين وفقًا لما ورد في مادته الثالثة. ومن ثم، خلصت الهيئة في دفاعها إلى عدم اختصاص المركز بالنظر في القضية وفقًا لهذه الترجمة، وهو دَفْعٌ كان كفيلًا برفض الدعوى عن بَكرة أبيها.

لكن محكمة التحكيم فطنت إلى ذلك الخطأ؛ ذلك أن الحكم الصادر عنها أشار إلى أن ثمة خطأً في الترجمة المقدمة، وأن كلمة "تسري" قد تُرجِمَت وكأنها "يسري" مُثمِّنًا تلك "التاء" التي قُلِبت "ياءً" بتعويض قدره زهاء 27 مليون وستمائة ألف دولار أمريكي، إضافةً إلى الفوائد والمصروفات القانونية، بأسعار ذلك العصر بالطبع.

بل اللافت للنظر أيضًا أن الجانب المصري لجأ إلى حل شركة إيجوث المملوكة للدولة والموقِّعة على العقد تنصُّلًا من المسؤولية عن تصرفاتها القانونية، فما كان من الطرف الآخر إلا أن أشار -في لفتة لغوية أخرى- إلى أن وزير السياحة في ذلك الوقت قد وقَّع على العقد بالموافقة، حتى إنه لم يكتفِ بالتأشير بكلمة approved، بل زاد عليها كلمتين إضافيتين حبكًا للصياغة في غير موضعها، إذ كتب: approved, agreed and ratified، وهي عبارة لا تفيد الموافقة فحسب، بل الإقرار والتصديق وما يلف لَفَّهُما من معانٍ تفيد الالتزام. ومن ثَمّ، عدَّت المحكمةُ الحكومةَ المصرية مسؤولةً عن الإخلال بشروط العقد، وأصدرت حكمها السالف الذكر.

وهكذا، كانت اللغة والترجمة سببًا في تغريم الشعب المصري ملايين الدولارات مقابل استثمارات لم يرَ منها شيئًا قط!

اقرأ أيضًا