Linguistic Note

نكتة لغوية

تطالعنا الصحف العربية من حين لآخر بأخبار مفادها أن قوات الجيش أو قوات الأمن قتلت «تكفيريين» في سيناء أو العراق أو بعض أنحاء السعودية أو غيرها من البقاع الملتهبة في المنطقة العربية. وتتبارى تلك الصحف في سرد الوقائع -بغض النظر عن صحتها من عدمه- مستخدمة هذا اللفظ تحديدا. وهذا الأمر يجعل المرء يتساءل عن ذلك السلاح الذي تستخدمه تلك القوات بحيث يستطيع الكشف عن أفكار هؤلاء وبيان تكفريتهم من عدمها. ثم إن تلك الأخبار توحي بأن جريمة هؤلاء الوحيدة هي أنهم «تكفيريين». ومن ثم، يُقتلون أينما وجدوا حتى ولو لم يكونوا مسلحين وخارجين عن الدولة ولو لم يرتكبوا جرائم (بغض النظر عن وجوب محاكمتهم ابتداءً إن أمكن، وهذه قضية أخرى). ذلك أن اعتناق شخص ما «فكرا تكفيريا» ليس جريمة يُعاقب عليها القانون المصري أو غيره في حدود علمي، بل لا بد أن يكون ذلك الفكر مصحوبا بفعل مجرم قانونا يستوجب العقاب. والعقاب يكون -بطبيعة الحال- بعد محاكمة عادلة إلا أن يكون ذلك دفاعا عن النفس مثلا.

ومن هنا يمكن القول إن في اختيار اللفظ خطأ فادحا، وفيه خلط واضح في المفاهيم. والأصح أن يُقال إن الجيش قد قتل مسلحين -ان افترضنا أن مجرد التسلح جريمة تستوجب قتلهم- أو قتل مقاتلين خارجين عن القانون (حيث قاوموا القوات مثلا)، أو بالأحرى قتلهم في أثناء تنفيذ عمليات إرهابية؛ ففي الصيغة الأخيرة ما يبرر قتلهم من الناحية القانونية ومن الناحية اللغوية؛ فنحن لا نفهم القانون إلا عندما تعبر عنه اللغة.

وقد يقول قائل إن المقصود أن التكفيريين يكونون دائما مسلحين وخارجين عن القانون وإن استخدام هذا اللفظ يكون على سبيل الكناية. والحقيقة أن ذلك يظل مرفوضا؛ لأن تلك الصيغة تعني أن القوات منوط بها محاربة الفكر -رغم رفضنا للفكر التكفيري بطبيعة الحال- لا مكافحة الجريمة. وهذا السياق لا مجال فيه للالتباس أو التداخل الذي قد تتسبب فيه الكناية. أمّا إن كانت تلك هي الوظيفة الحقيقية للقوات، فهذا أمر آخر، ولسنا هنا بصدد مناقشته.

وقد يقول آخر «هي يعني جت على دي....ما كل حاجة بايظة»...وردي على ذلك أنني أتحدث من منظور لغوي يتمثل في اختيار اللفظ السليم في الموضع المناسب، وهذا ما نعلمه لطلابنا ونتحرى فيه الدقة الشديدة في ترجماتنا. وهذه رسالتنا وليس من المعقول أن نتخلى عنها مسايرةً للخطأ أيا كان حجمه أو درجة انتشاره.

(ملحوظة: «نكتة لغوية» تعني مَسْأَلَةً لغوية فِيهَا إِمْعَانٌ وَنَظَرٌ وَفِكْرٌ، حسبما جاء في المعاجم العربية)


نُشر هذا المنشور على شبكة التواصل الاجتماعي (الفيسبوك) في 16 تموز/مارس 2017. ويمكن التعليق عليه في شكله الأصلي بالنقر على النص التالي: