منذ أيام نشرت مترجمة مبتدئة ترغب في بدء دراسة الترجمة وممارستها منشورًا في إحدى مجموعات المترجمين على موقع الفيس بوك تطلب فيه النصيحة، بعد أن ذكرت أن أفضل وسيلة لتعلم الترجمة هي دراسة الأخطاء الشائعة لدى المترجمين، فسارع أحد زملائها بنصيحتها بالبدء بدراسة معجم الأخطاء الشائعة للعدناني.

لا أعلم ماذا حدث بعد ذلك، لكن أعتقد أن الأمر لن يخرج عن شيئين: فإما أن تصاب تلك الخريجة اليانعة بالصدمة من كمية الأخطاء التي يتناولها المعجم بالتخطئة والتصحيح، ومن ثمَّ، تُقرِّر الابتعاد عن مجال الترجمة متجنبةً وجع الرأس المتوقع؛ وإما أن تدرسه وتحفظ بعض ما ورد فيه أو كله، ثم تبدأ على الفور في اتهام كل ما تقرأ -مترجَمًا كان أم غير مترجَم- بالخطأ.

وهذا بالضبط ما يفعله بعض حديثي التديُّن عندما يصادف أن يبدؤوا بدراسة كتب الدين التي تقتصر على تناول أخطاء المصلين مثلًا، دون أن تعلِّم قارئيها ماهية الصلاة وأركانها وشرائطها؛ فتُخرِج فقيهًا من وَرَقٍ يزور دُور العبادة لا للصلاة، بل لتتبُّع أخطاء المصلين ونُصْحهم أو زجرهم، في حين أنه لربما لا يجيد أبسط قواعد الصلاة التي لم ترد فيما قرأ.

موقف آخر حدث لي شخصيًّا؛ حيث كنت أترجم وثيقة ضخمة تتطلب أعلى درجات العناية والضبط، فقررتُ الاستعانة بمترجم مبتدئ بدا لي أنه يجيد اللغة العربية؛ كي يكفيني مؤنة المراجعة اللغوية، وأستفيد من كفاءته ووقته مقابل إفادته بالمال والخبرة. وطلبت إليه تصحيح ما ورد فيها من أخطاء إملائية أو نحوية أو صرفية وما إلى ذلك. فجاءتني الوثيقة وقد غيَّر المترجم كل ما رآه خطأً شائعًا؛ كتغيير لفظة «بالتالي» إلى «من ثَمّ» ووضع جميع علامات التشكيل تقريبًا، في حين أبقى كَمًّا من الأخطاء الهجائية والنحوية الأصلية التي لا تندرج تحت باب الأخطاء الشائعة. وحين ناقشته في الأمر، قال إنه درسها هكذا في كليته، وإنه يفهم أن المقصود بالأخطاء عامةً هو الأخطاء الشائعة.

ليس المقصود بالطبع التقليل من شأن دراسة الأخطاء الشائعة في العربية، بل إنني أؤيد دراستها والاستفادة منها تدقيقًا للغة العربية، وتنقيةً لها من الشوائب العالقة بها. إذًا المسألة مسألة أولويات؛ إذ لا يصح -كما أسلفتُ في المثال- أن يجِيد المترجم تجنُّب تراكيب وكلمات تندرج تحت باب الأخطاء الشائعة، سواء أكانت أخطاءً بالفعل أم مسائل محل خلاف بين اللغويين، بينما يقع هو نفسه فيما هو أشد وأنكى من الأخطاء غير المختلَف عليها ابتداءً؛ لا سيما وأن كثيرًا مما درج بعض اللغويين على تسميته أخطاءً شائعةً أجازته المجامع اللغوية كمجمع اللغة العربية بالقاهرة.

ولا يفوتني هنا أن أشير إلى كتاب قيَّم وجيز اسمه «المعجم الوجيز في الأخطاء الشائعة والإجازات اللغوية»، ألَّفه الدكتور جودة مبروك محمد، ويتناول فيه الأخطاء الشائعة، مفرِّقًا بين ما هو خطأ بالفعل، وما أجازته المجامع اللغوية أو ما يُظنّ أنه خطأ وهو ليس بخطأ، مستنِدًا في ذلك –حسبما قال- إلى نصوص العربية في عصور الفصاحة والاحتجاج.

وأود أن أنوّه كذلك بأن الخطأ –أي خطأ- له مراتب كثيرة، تبدأ بالخطأ الفاحش، وتنتهي بالخطأ الطفيف، كما أن تطور اللغة العربية، لا سيما في العقود الأخيرة، استلزم بالطبع سك عدد هائل من المفردات، وابتداع تراكيب لم ترد على لسان العربي في شبه الجزيرة قديمًا، ومن ثمَّ، اكتست بعض الألفاظ والتراكيب معاني جديدة، وهو أمر مفهوم بالطبع.

بل إن ثمة مواقف تجعل اللفظ الصحيح مسبِّبًا للإشكال، لا سيما مع ما جرت عليه ألسنة الناس، ودرج عليه الكُتّاب، خاصةً في الصحف ووسائل الإعلام الجماهيرية. وهنا يكون الأولى العُدول عن لفظ صحيح مُشكِل إلى آخر فصيح غير مُشكِل، كالعدول عن لفظ «استبدل» في قولنا «استبدلت الحكومة المعونة الأمريكية بالمعونة الروسية» بلفظ لا إشكال فيه، كقولنا «استعاضت الحكومة عن المعونة الروسية بالمعونة الأمريكية» أو «أحلت الحكومة المعونة الأمريكية محل المعونة الروسية». أما الأخطاء الشائعة الأخرى التي لا يُحدث تجنُّبها لبسًا لدى القارئ، كعبارة «صك المصطلحات» وصحيحها «سك المصطلحات» أو «علاقات مشينة» وصحيحها «علاقات شائنة»، فيُحبَّذ، بل يجب، تجنُّبها واستخدام الصحيح.

«وأما عبارة «خطأ شائع خير من صواب مهجور»، فعبارة صحيحة من وجهة نظري، لكن تطبيقها على علّاتها فيه نظر؛ إذ إننا لو اتبعنا كل خطأ شائع، وتركنا كل صواب مهجور، لصار الخطأ صحيحًا بكثرة الاستعمال، ولبقي المهجور مهجورًا بدوام الترك.»

وأود كذلك أن أهمس في أذن السادة الزملاء القائمين على تدريس الترجمة وتدريب المترجمين، وأيضًا كبار المترجمين، قائلًا: إن التشديد في مسألة الأخطاء الشائعة إنما يكون على الذات، لا على حديثي التخرج والمبتدئين؛ إذ إن الواجب أن نبدأ معهم بالقواعد الأساسية التي لا يكونون مترجمين دونها، خاصةً أن كثيرًا من المعاصرين، وأخصُّ نفسي بالطبع، ما زال يقع في عدد كبير من الأخطاء اللغوية الأصلية قبل الشائعة.

الخلاصة أن الأخطاء الشائعة في العربية -رغم ما لها من أهمية- تحتل مرتبة أدنى في الأولوية عن غيرها من الأخطاء في القواعد الأساسية، ويجب على المحترفين تجنُّبها، لكن بالقدر الذي لا يؤدي إلى إنتاج نص غير مفهوم أو مُشكِل على القارئ غير الضليع في العربية. وتحضرني في هذا المقام مقولة ابن المقفع، إذ قال: «ما رأيت إفراطًا قط إلا وبجانبه حقٌّ مُضيَّع».

وأخيرًا، أعتذر عما قد يكون ورد في طيات هذه المقالة من أخطاء شائعة أو غير شائعة.


اقرأ أيضًا