دعاني إلى كتابة هذه المقالة ما يتداوله زملاء أفاضل على شبكات التواصل الاجتماعي مِن كُتب ومقالات وأدلة عملية تتناول الصياغة القانونية باللغة الإنكليزية منتهِجةً نهج التبسيط Plain Language، وربما يرى في ذلك بعض القراء -خاصةً المبتدئين- منهجًا جيدًا لبدء دراسة الصياغة القانونية باللغة الإنكليزية، والانطلاق منها نحو الترجمة من تلك اللغة أو إليها.

لكن السؤال الذي ترنو إلى الإجابة عنه تلك المقالة هو: هل هذا النهج هو المدخل الصحيح لدراسة أصول الصياغة القانونية في اللغة الإنكليزية؟ والإجابة عن هذا السؤال تقتضي إجراء استعراض سريع لنهجَيِ الصياغة، أو بالأحرى النهج التقليدي Legalese، والنهج المستحدَث أو ما يعرف بحركة التبسيط اللغوي Plain Language Movement.

والحقيقة أن حركة التبسيط التي بدأت في سبعينيات القرن الماضي قد وصلت إلى مرتبة متقدمة إلى حد ما في انتشارها؛ فقد صِيغ كثيرٌ من الوثائق القانونية المهمة بتلك الطريقة، لا سيما العقود والاتفاقيات التي يكون أحد طرفيها شخصًا عاديًّا غير مختص بالقانون، كمستخدم خط الهاتف، والمقترِض من البنك. بل صدرت قوانين كثيرة، منها القانون الصادر في ولاية بنسلفانيا سنة 1993، الذي يُوجِب تبسيط لغة العقود في بعض الحالات، والتوجيه الصادر سنة 1999 عن نقابة المحامين الأمريكية وينادي بالشيء نفسه. وتحت عنوان ضرورة التبسيط، صدرت عشرات الأدلة العملية والمبادئ التوجيهية، وأُلِّفَت عشرات الكتب، وكُتِبت مئات المقالات. وكلها تنادي بإلقاء التعابير القديمة والعبارات القانونية المبتذلة في البحر، واستخدام تعابير جديدة مختصرة يفهمها رجل الشارع العادي. وكي تتضح الصورة أكثر، دعونا نضرب المثال التالي على النهجين:

Legalese: Second Party shall, within three months as of the effective date hereof, perform the erecting, building and finishing, in a good, sound, substantial and workmanlike manner the aforesaid House, as per the drawings hereto attached.

Plain Language: (a) Mr. X will build and finish a proper house; (b) building must finish within three months; (c) He must follow the attached drawings.

لكن إلى أي مدى يلتزم رجل القانون اليوم بما تنادي به تلك الحركة؟ الملحوظ أن الصائغ القانوني لا يزال يميل إلى استخدام اللغة القديمة على ما يعتريها من تعقيدٍ، ولا يُجدِّد فيها إلا في نطاق المصطلحات الحديثة المرغَم على استخدامها كمصطلحات التكنولوجيا. ويرجع ذلك إلى عدة أسباب، منها أن مهنة القانون بطبيعتها مهنة محافظة تميل إلى اتباع التقاليد الموروثة لا إلى التحديث، والقانون بطبيعته يستند إلى أعراف المجتمع وتقاليده المتوارَثة.

ومن الأسباب كذلك الخوف من الوقوع في شَرَك عدم الدقة، ومن ثَم الثغرات القانونية. أمّا السبب الرابع فهو رغبة رجال القانون في التفرُّد بلغتهم، أي استخدام لغة لا يفهمها سواهم، ورغبتهم في إبهار موكليهم وعملائهم، وما يتبع ذلك من مطالبتهم بأتعاب باهظة تناسب ذلك الجهد «غير العادي» الذي تمثِّله تلك «اللغة الساحرة».

ومن ثَم، لَمَّا تتكللْ جهود الحركة الجديدة بالنجاح المطلوب، رغم انطلاقها منذ أكثر من أربعين عامًا، وتحقيقها شيئًا من الانتشار على مستوى التوجيهات والنصائح، لا على مستوى الاستخدام الفعلي إلا قليلًا. ولهذا لا نزال نجد أحدث القوانين والعقود والاتفاقيات تعج بالتعابير القديمة؛ حتى إن قانون العدالة في مواجهة رعاة الإرهاب (المعروف اختصارًا بقانون «جاستا») الصادر في الولايات المتحدة عام 2016 قد ورد فيه، على سبيل المثال، تعبير shall not ثلاث مرات، وهو تعبير مُنتقَد للغاية في النهج الحديث، رغم أن عدد كلمات القانون لا يتعدى 1600 كلمة.

وهناك أمثلة لا حصر لها على ذلك، منها اتفاقية استخدام الفيس بوك التي كُتبت بلغة بالغة السهولة، لكنها لم تَخْلُ، مع ذلك، من تعابير قانونية كان من الأَوْلى الحيادُ عنها إلى أخرى أسهل استنادًا إلى ذلك النهج. ويكفينا قضاء ساعات قليلة في البحث على شبكة الإنترنت حتى يتبيَّنَ لنا أن الوثائق القانونية الإنكليزية المصوغة باتباع النهج القديم تبلغ أضعاف الوثائق القانونية المصوغة بالنهج المستحدَث.

وهكذا، نخلص إلى أن المدخل لدراسة الصياغة القانونية ينبغي أن يكون بدراسة التراث القانوني القديم بلغته القديمة، والتدرُّب على المفردات والتعابير والتراكيب القديمة رغم صعوبتها، حتى على أبناء اللغة الإنكليزية من غير المختصين بالقانون.

ومن الأمثلة التي كثيرًا ما أضربها لطلابي تبيانًا لهذه الجزئية؛ أن المترجم مثله مثل السائق الذي ينبغي أن يتدرَّب على الأصعب أولًا، ألا وهو قيادة السيارات العادية (اليدوية)، لا الأوتوماتيكية التي تتطلب درجة أقل من الحرفية؛ فإنْ قاد سيارة أوتوماتيكية مرغَمًا أو بمحض إرادته فلن يواجه في ذلك أي صعوبة، لكن العكس غير صحيح بالمرة. والمترجِم مهني محترف لا قارئ هاوٍ، وهو غير مخيَّر في النصوص التي يترجمها في أغلب الحالات. أمَّا في حالة الترجمة من العربية إلى الإنكليزية، فلتكن اللغة التي يستخدمها المترجم وسَطًا بين النهجين؛ مراعاةً لما سبق ذِكره من تقاليد متوارثة، يتوقع أن يراها المختص بالقانون ودون إغفال ذلك النهج الحديث الآخِذ في الانتشار على استحياء.

اقرأ أيضًا