بمناسبة #اليوم_الدولي_للغة_العربية الذي يحل الاحتفال به بعد يومين، كنتُ قد شرعتُ، منذ عدة سنوات، في المساعدة في إنشاء مركز لتعليم اللغة العربية لغير المتحدثين بها في أحد بلدان الشمال الأوروبي. غير أن المحاولة باءت بالفشل. ووقتها حضرت دبلومة تعليم اللغة العربية للأجانب في الجامعة الأمريكية بالقاهرة التي كنتُ لا أزال أُدرّس بها. واستفدت منها استفادة عظيمة رغم خبرتي السابقة في التدريس بوجه عام.

وتتلخص أسباب الفشل في أنني كنتُ أريد تدريس اللغة العربية باعتبارها لغةً دوليةً حيةً قادرةً على التعبير عن العصر والعلم والتجارة والإنترنت والحياة الحديثة بوجه عام، في حين كانت رؤية الشريك الآخر تنحصر في تدريسها بوصفها لغة دينية يتعلمها المسلم كي يمارس طقوس دينه وربما يُدخِل بعض عباراتها في لغته الأجنبية كما يفعل كثير من المسلمين الجدد. لم أكن أعارض الهدف الأخير بالطبع، لكنني كنتُ أراه وجها واحدا من وجوه تلك اللغة. فلا أريد أن تتحول اللغة العربية إلى لغة ميتة لا يحييها متكلموها إلا في صلواتهم وقليل من عباراتهم طلبا للثواب، في حين يتحدثون اللغات الأجنبية في سائر نواحي الحياة. ومن الملاحظ أن كثيرا من معلمي العربية بوصفها لغة أجنبية لا يهتمون إلا بهذا الجانب.

ولم يعد يخفى على أحد أن اللغة العربية لغة يتحدثها أكثر من 300 مليون شخص بوصفها لغة أصلية، في حين يتحدثها أضعاف هذا العدد بوصفها لغة أجنبية. وهي لغة رسمية في الأمم المتحدة منذ سبعينيات القرن الماضي. وقد أضحتْ كذلك حتى في منظمات غير تابعة لمنظومة الأمم المتحدة كالمحكمة الجنائية الدولية واللجنة الدولية للصليب الأحمر وغيرها من منظمات العمل الإنساني. وأصبحنا لا نحتفل بيومها الدولي إلا بعد أن قررت اليونسكو ذلك في عام 2010. ويحصل الموظفون الدوليون على علاوة نظير تعلم لغات أجنبية جديدة ومنها العربية بالطبع. ويحرص كثير من غير متحدثي العربية على تعلمها لأسباب شتى. ولا ننسى بالطبع وزيرة خارجية النمسا التي ألقت كلمتها باللغة العربية في افتتاح الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام الماضي، في حين ألقى عدد من الزعماء العرب كلماتهم بلغات أجنبية. ويبذل مترجمو المنظمات الدولية -وسائر المترجمين إلى العربية- جهدا مضنيا في إيجاد المصطلحات العربية الجديدة في مختلف نواحي المعرفة لمواكبة أوجه التقدم العلمي والابتكارات التي لا يبرح يتفتق عنها عقل الإنسان مصحوبةً بكم هائل من المصطلحات المعبرة عن تلك المستحدثات. وكما أن تعليم اللغة العربية للأجانب واجب إسلامي، فهو من هذا الوجه أداة مهمة في مواكبة ذلك السيل العارم من المصطلحات والتعبيرات المستحدثة وفي تعزيز مكانة تلك اللغة وإسهام متحدثيها في تلك المنجزات. فكيف يقتصر تعليم اللغة العربية على الغرض الشعائري رغم اعترافنا بأهميته؟


اقرأ أيضًا