أتيحت لي دراسة اللغة التركية دراسة عابرة ففاجأتني بعدد من اللطائف والطرائف، أذكر منها ما يلي:
1- نعرف -نحن المصريين- أن كلمات كثيرة من اللغة التركية مستخدمة في اللهجة المصرية مثل «باشا» Paşa، و«بيه» Bey، و«سميط» Simit، و«أفندي» Efendi، و«شيش طاووق» Şiş Tavuk. ومنها كلمات كثيرة مستخدمة في الجيش المصري مثل «أورنيك» örnek، أي «استمارة». لكن ما لا يعرفه كثيرون -خصوصاً من غير المتخصصين- أن اللغة التركية بها عدد هائل -نعم هائل- من الكلمات العربية. وستدرك مع دراسة التركية التأثير العميق للغة العربية في لغات كثير عندما كانت في مجدها.
2- الغالبية العظمى من الكلمات العربية في التركية لها نطق مختلف لا تكاد تميزها إلا بعد تدقيق وبعد أن تعرف أنها عربية أصلاً. من أمثلة ذلك «إنشاءات» inşaat التي ينطقها الأتراك «إنشآت». فلا مقابل للهمزة أو العين أو الحاء أو الخاء في التركية!
3- أخذ الأتراك معظم الكلمات بصيغة صرفية عربية معينة وأضافوا إليها صيغهم الصرفية. ومن أمثلة ذلك أن inşaat كلمة مفردة في التركية رغم جمعها في العربية. وقد جمها الأتراك بإضافة lar، فأصبحت inşaatlar. ومعظمنا يعرف أن teşekkürler «تشكرلار» أصلها «تَشكُّر» العربية ويضيفون إليها لاحقة الجمع ler. وبهذه المناسبة السعيدة، لا يوجد في التركية شيء اسمه «تشكرات» كما كنا نسمع في الأفلام العربية القديمة! تمام؟ (وبالمناسبة أيضاً، «تمام» عربية طبعاً لكنها مستخدمة في التركية بكثرة بتفخيم الميم الأولى).
4- معظم الكلمات العربية المستخدمة في التركية قديمة ولا تكاد تُستخدم في العربية الحديثة. وكأنهم أخذوا نسخة من العربية ولم يشتركوا في التحديثات updates! من ذلك kira وتعني «الكِراء» أي «الإيجار» (وإن كانت لا تزال مستخدمة في المغرب العربي). ومن ذلك أيضاً tehlike التي مصدرها «تهلكة»، لكن العجيب أن الأتراك يستخدمونها بمعنى «خطر». وتُكتب على اللافتات في الشوارع للتنبيه. ومن ذلك hayal أي «حِلم» وهي بالعربية حرفياً «خيال»! إشي خيال يا ناس!
5- أما وقد تكلمنا عن «التنبيه»، فكلمة dikkat في التركية تعني «انتباه» وينطقونها «دِقات»، وتسمعها مثلاً لدى مرور ضيف أجنبي مستعرضاً حرس الشرف في تركيا، وتجدها كذلك على منحنيات الطرق في تركيا. لكن العجيب أنها مأخوذة عن «دقَّة» في العربية! وكأنها تعني: «تَحلَ بالدقة»!
6- اللغة التركية لغة لواحق suffixes في الأساس. فأنت تفكر في الكلمة التي ستقولها، ثم تضيف إليها ما لذ وطاب من اللواحق بلا نهاية تقريباً! يكفي أن تدرك لماذا نقول مثلاً «أحمد باشا» أو «أحمد أفندي» التركية التركيب، وليس «باشا أحمد» أو «أفندي أحمد»، كما نقول «السيد أحمد» مثلاً! لكن الغريب أننا نقول في مصر «أُسطي أحمد» رغم أنها بالتركية «أحمد أسطى»! عموماً، يبدو هذا استثناءً.
7- أيام الأسبوع في التركية عجيبة ولطيفة وسهلة الحفظ. فالجمعة هو Cuma وينطق «جُما»؛ لأن التركية الحديثة تستخدم C مقابل الجيم المعطشة ولا يوجد بها صوت العين. وعندما ينطقها الأتراك في وسط الكلام، لا تكاد تعرف أنها عربية. أمَّا السبت، فهو Cumartesi، ويعني حرفياً «اليوم الذي بعد الجمعة»، آه والله! وأمَّا الأحد، فهو Pazar أي يوم «البازار». وكلمة «بازار» فارسية تعني «السوق». والاثنين هو «اليوم الذي بعد يوم السوق» Pazartesi!
8- من أعجب الكلمات كلمة «خيار» وهي بالتركية salatalık المكونة من كلمتي «سلطة» salata الإيطالية الأصل و lık أي «المخصص لـ». إذاً تعني كلها حرفياً «للسلطة»! وكأنها بالعامية المصرية «بتاع السلطة» وخلاص. هو إحنا لسة هندور على اسم لكل خضار؟!
9- في التركية عدد كبير من الكلمات الفارسية والفرنسية – نعم الفرنسية! ومنها كلما «ستاسيون» أي المحطة لكنهم تَرَّكوها وكتبوها istasyon! بل يكفي أن تعرف أن «أتوبيس عام» هي halk otobüsü أي «حافلة/أتوبيس الخلق» حرفياً.
10- وبمناسبة كلمة «خَلق»، هل تعلم أن «حزب الشعب الجمهوري» -الداعي إلى التمحور حول الذات التركية والاعتزاز بكل ما هو تركي ليس له نصيب من اسمه. فلا توجد في اسمه أي كلمة تركية خالصة! أه والله! فهو Cumhuriyet Halk Partisi -حرفياً «حزب الخلق الجمهوري»- فأول كلمتين عربيتان والكلمة الأخيرة لاتينية! وعموماً، معظم الأتراك لا يعرفون أن الكلمات العربية في التركية أصلها عربي، ويعتقدون أنها تركية خالصة!
11- في التركية، يمكن أن تقول عبارات كاملة أصلها عربي، ويفهمك التركي كأنك تتكلم تركية خالصة -من وجهة نظره! من أمثله ذلك ücret iade cihazı وهي ببساطة «جهاز إعادة الأجرة»، وتنطق «أُجرتْ إآدَه جهازي» على سبيل التقريب! ولكن احذر من false friends أي «أصدقاء السوء» على سبيل المزاح. فليس كل كلمة تركية قريبة من العربية تُستخدم بالمعنى نفسه! فكلمة şarkı مثلا لا تعني «شرقي»، بل تعني «أغنية»، وإن كان بعضهم يرد التشابه إلى أن الأغنية التركية القديمة مرتبطة بالأصل الشرقي في الثقافة التركية. ومن اللطائف المثيرة للاهتمام في التركية وثقافتها كلمة muhteşem، وهي مأخوذة من الكلمة العربية «محتشم»، إلا أنها لا تعني ذلك، وإنما تعني شديد الروعة أو يفوق الخيال. ويمكن أن تصف بها الطعام مثلاً. وهو ما يدل على أن معنى «الاحتشام» كان أو كان ولا يزال مرتبطاً بالروعة في الثقافة التركية.
12- مع كل ما سبق، نجد أن بنية الجملة التركية مختلفة تماماً عن بنية الجملة العربية؛ لأن كل منهما من عائلة مستقلة. وأبرز شاهد على ذلك أنك نقول بالتركية Cuma günü sabah beşte, namazdan önce okula gideceğim وهي حرفيا بالترتيب «يوم الجمعة صباحاً قبل الصلاة إلى المدرسة سأذهب». وهذا الأسلوب وإن كان مقبولاً في العربية على سبيل الاستثناء لأسباب بلاغية، فهو الأصل في التركية لا الاستثناء. وهذا يمثل مشكلة في الترجمة الفورية! إذ إن على المترجم أن ينتظر حتى آخر الجملة لكي يعرف ماذا سيحدث!
13- أخذ تعلُّم اللغة التركية دفعةً قويةً إلى الأمام بعد هجرة كثير من العرب إلى تركيا. فتجد مثلاً مئات من العرب يعلمون التركية للأجانب على يوتيوب! لكن عليك أن تنتبه إلى أن بعضهم لا يجيد النطق التركي السليم، فينطقون التركية كالعربية! مش عايز أذكر واحد معين!
14- ليس فيما سبق أي انتقاص من اللغة التركية أو الأتراك الذي لم أرَ منهم أي موقف عنصري -كما هو شائع عنهم- في زياراتي الكثيرة لتركيا. وإنما هي لمحات قد تفيد غير المتخصصين. ولكل لغة طرائفها ولطائفها!
15- أعتذر للمتخصصين في اللغة التركية عن أي خطأ في تلك اللمحات التي سردتها من منظور ذاتي. «تمام»؟